التفكير في التصور القرآني

پدیدآورمرتضی المطهری

تاریخ انتشار1388/11/21

منبع مقاله

share 1140 بازدید
التفكير في التصور القرآني

الشيخ مرتضى المطهري
التفكير في الاسلام

من اسس التعاليم القرآنية الدعوة للتفكير والتدبر، التفكير في مخلوقات الله للتوصل لأسرار الوجود، التفكير في احوال واعمال الانسان، نفسه، لأجل ان يمارس وظائفه بصورة افضل، التفكير في التاريخ، والأجيال السابقة، لأجل التعرف على السنن والقوانين التي وضعها الله تعالى لحياة البشرية.
والتفكير السطحي والعشوائي عملية متيسرة لكل واحد، ولكن لاينتج أي ثمرة، واما التفكير الذي يعتمد على الدراسات العميقة، والتجارب، والمحاسبات الدقيقة، ولا اقل من الدراسة الدقيقة لأفكار ارباب الفكر ومنجزاتهم فهي امر في غاية الصعوبة والتعقيد، ولكن معطياتها ثرة غزيرة، وتعتبر رصيداً كبيراً للروح البشرية.
والاسلام قد اعتبر التوحيد، القاعدة الرئيسية له، والتوحيد اسمى واعظم فكرة عرفها الذهن البشري، وهي تعتمد على تفكير دقيق وعميق، وقد رفض الاسلام التقليد والتبعية في اصول الدين، وبالخصوص في اصل الاصول وهو التوحيد، ودعا الى التفكير والتحقيق في ذلك، اذن فلابد لمثل هذا الدين، ان يوجه اهتمامه كثيراً للتفكير والتدبر، والتحقيق والبحث، ويخص بهذه المسألة الكثير من الآيات الشريفة، وبالفعل فقد التزم بذلك.
والقرآن الكريم، لم يدع مسألة التفكير، مبهمة، مطلقة غائمة، فلم يقل بصورة مجملة، فكروا في أي موضوع شئتم، ففي آية (159) من سورة البقرة يحدد الموضوعات التي يلزم التحقيق والبحث حولها، ويحفز الناس الى التفكير فيها (ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار). فكروا حول السماء والارض، ودوران الفلك، ومسيرة الليل والنهار، ابحثوا عن القوانين الحاكمة في الاجرام والكواكب، تعرفوا على الارض، وطبقاتها وآثارها، والعوامل التي تؤدي الى تغيير وضع الارض بالنسبة للشمس، بصورة شاملة، خلال (24) ساعة، حيث تكون سبباً لحدوث الليل والنهار، ابحثوا حول هذه الحوادث بعمق، ادرسوا علم الفلك، والعلوم التي تبحث حول الارض ومكوناتها (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) وهذه السفن التي تجري في البحر، وتطوي المسافات، وتخوض الامواج المتلاطمة، وتثري علم الانسان وتجاربه، تزودوا من هذه النعم الغنية، البحر، والسفن التي تجري فيه دون ان تغرق، والفوائد التي يتوصل اليها الانسان من خلال الابحار، كل ذلك تم وفق محاسبات وقوانين معينة، لايتوصل الانسان اليها الا من خلال التفكير والدراسة العميقة حولها.
(وما انزل من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها) المطر الذي يهطل من السماء للأرض، ومن خلال ذلك يحيي الله الارض الميتة، وهناك الالوف من الاسرار والحقائق، مخبوءة في هذه العملية، لايتوصل اليها الا الانسان المفكر والباحث، الذي يبذل اقصى جهوده الفكرية، في هذا المجال، ليتعرف على الاسرار والحقائق، يتعرف على الجو وكائناته، ويتعرف على خواص المطر والنباتات.
(وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض) حركة الرياح وهبوبها، الغيوم المسخرة بين السماء والارض في حركة دائبة، في كل هذه آيات ودلالات على حكمة الله وجميل صنعه، ولكن ليس لكل احد، بل لمن يفكر ويبحث في ذلك.
اذا الف شخص، تجهله، كتاباً، وبعد ذلك كتب اليك رسالة، يخبرك فيها اذا أردت ان تتعرف عليَّ تماماً، عليك بقراءة الكتاب الذي الفته، ويؤكد على قراءة بعض الابواب والفصول التي يحددها في رسالته فمن الواضح انه يلزم قراءة تلك الفصول بدقة وعمق مع الرجوع لاستاذ يفسر لك ما غمض عليك، اذا اقتضى الامر ذلك، او لكتاب لغوي، والتعرف على لغة الكتاب، والحروف التي كتب بها ذلك الكتاب فمن خلال هذه القراءة الواعية، سوف تتعرف على مؤلفه الذي لم تشاهده، ومن الواضح، انه لايمكنك التعرف على المؤلف برؤية غلافه فحسب.
ان القراءة العابرة والسطحية، حول عوالم الوجود، والتي تتميز بالتحقيق، والبحث العلمي العميق حولها، كتلك التي يمارسها العلماء في مختلف العلوم، علماء الهيئة والفلك، علماء الارض، علماء الحياة، علماء النفس، وغيرهم، ان هذه القراءة العابرة تشابه تماماً، قراءة لغلاف الكتاب فحسب، فهي لاتجدي شيئاً، ولا يفهم الانسان منها شيئاً، على العكس من القراءة والدراسة العلمية، والبحوث العميقة، والتفكر في قضية، يعني التحقيق والتفحص، في المعلومات المتواجدة في ذهن الانسان، والتفكير يعني حركة الفكر في المعلومات التي وجدت في الذهن مسبقاً، فالتفكير كالسباحة، التي تتلاعب بالانسان، هنا وهناك، فلابد ان تتوافر معلومات مسبقة، ليتمكن الانسان من التفكير فيها، ولابد من وجود ماء، ليتمكن الانسان من السباحة فيه.
الانسان الذي تعرف على زهرة، بأن تعرف على جذرها، وساقها، واوراقها، وكيف تتغذى، وتتنفس، وتنمو، وتتفتح، وتثمر، مثل هذا الانسان، العالم بهذه الامور، يمكنه التفكير في هذه الزهرة، وبالقدرة والعلم والحكمة والتدبير والتقدير المحكم في تلك الزهرة، اما ذلك الذي لايعرف من الزهرة الا شكلها وحجمها فحسب، ولم يعرف الاسرار المخبوءة في اعماقها، لايتمكن من التفكير حولها، ومدى علاقتها بالتقدير والتدبير الحاكم في الكون.
ان رصيد الفكر هو العلم، ويقولون بأن الأمر بالشيء امر بمقدمته، وبما انه لايمكن التفكير بدون وجود العلم والمعلومات، اذن فالأمر بالتفكير يعني الامر بالرصيد الذي يسنده، أي الامر باكتساب المعلومات الصحيحة والمثمرة، حول المخلوقات، ونستهدف من ذلك كله، القول بأن القرآن الكريم، لم يحث الانسان على التفكير فحسب، بل انه حدد موضوعات التفكير، في هذه الآية الشريفة، وغيرها من الآيات التي يحفل بها القرآن الكريم.

انحراف المسلمين عن اسلوب التفكير الاسلامي

ومما يؤسف له ان حدثت بعض الاحداث، ادت الى انحراف المسلمين عن الاتجاه الذي رسمه القرآن الكريم، ولكن قد وجد بعض الافراد، وهم اقلية، تعرفوا على روح التعاليم القرآنية، وتجددت لهم موضوعات التفكير ومعالمه، وبالفعل قد فكروا حولها، وهؤلاء هم الذين يعدون اليوم من مفاخر المسلمين، بل من قمم البشرية جمعاء، ولكن الاغلبية، قد انحرفوا عن اسلوب التفكير القرآني واندفعوا للبحث والجدل العقيم حول موضوعات، كما لم يحث القرآن الكريم عليها، فإنه نهى عن التفكير فيها، وذلك لانها لغو، وعبث، ولاثمرة فيها، والذي يؤمن بالقرآن الكريم يلزمه التجنب عن الاعمال العابثة، غير المثمرة، (والذين هم عن اللغو معرضون)، وحتى لو تقنع اللغو بقناع البحث العلمي، والبحث الديني.

المناقشات الكلامية

اذا القينا نظرة على مؤلفات المتكلمين، والموضوعات التي دار البحث والجدل حولها، قروناً طويلة، حيث اشغلت الكثير من الاذهان، واستنزفت الكثير من القوى والثروات ونتيجة لذلك ذهبت الكثير من الطاقات البشرية سدى، وبحثنا عن مدى علاقتها بالموضوعات التي حث القرآن الكريم على التفكير فيها والتحقيق حولها، لرأينا بأنه لاتوجد أي قرابة وعلاقة بينهما، فقد دار البحث والجدل سنوات طويلة، حول هذه الموضوعات التي لاتعتمد على اساس اسلامي، واما الموضوعات التي حث القرآن الكريم على البحث والتحقيق حولها، فلاتزال محتفظة بحيويتها وقوتها، حتى جاء آخرون، واخذوا على عاتقهم القيام بهذه المهمة، واندفعوا برغبة جارفة للبحث حولها، فأصبحت لهم المكانة الرفيعة، في الدنيا، ومن المخجل حقاً لنا ان نكون ملزمين، بالتعلم منهم، لنتلقى من غيرنا دروس القرآن الكريم وتعليماته الحية.
وقد ذكرنا سابقاً، ان الانسان كلما كان اكثر دقة وعمقاً في التفكير والبحث حول الموجودات في العالم، سيكتشف الانسجام والترابط الموحد، والنظام الواحد، والتلاحم الذي يربط بين اجزاء العالم ومكوناته، وسيعرف ان كل موجود، بل وكل ذرة، وان امتلكت طاقة، وحركة معينة، ولكنها ليست مستقلة في مسيرتها، بل انها مترابطة مع سائر الاجزاء، فهناك علاقات وثيقة تشد بين الاجزاء كلها، ولكل جزء هدف معين، في نطاق هذه المجموعة، ومهمة في هذا المدار، وبهذه الرؤية الموحدة، يكون للعالم حكم الوحدة الواحدة.

اتحاد الدليل على وجود الصانع ووحدته في القرآن الكريم

ويجدر بنا ان نشير الى هذه الملاحظة:

ان الدليل القرآني الذي يدل على وجود الله هو بنفسه الدليل على انه واحد، والمتداول بين الفلاسفة ان يعقدوا لكل منهما بحثاً مستقلاً، فهناك بحث لاثبات وجود الواجب، وبحث آخر لتوحيده، وقد قلدهم في ذلك المتكلمون الاسلاميون.
ولكن الامر ليس كذلك، في القرآن الكريم، فلم يذكر في موضع مستقل، الدليل على وجود الخالق، وواجب الوجود، والذات القائمة بنفسها، ولاتعتمد في ذاتها على غيرها، وفي موضع آخر، يستعرض الدليل على وحدة الخالق وواجب الوجود، فليس الامر كذلك، وهذه ملاحظة لها اهميتها في القرآن الكريم، فقد عرف المنطق القرآني ذات الله، بصورة لايمكن ان يفرض لها ثان، وقد اشير لهذه الفكرة في الآيات القرآنية، بنحو الاشارة، ولكن الامام امير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة، قد اوضح هذه الفكرة ووسعها، وهذه الفكرة بنفسها، من المعارف القرآنية الكبيرة، والتي تدلّ بوضوح على اعجاز القرآن الكريم، والامام (ع) هو الذي كشف هذا الاعجاز، واكتشاف الاعجاز بنفسه اعجاز آخر.
ففي حديث، قد سئل امير المؤمنين (ع) (هل عندكم شيء من الوحي اجاب: لا، والذي فلق الحبة و برأ النسمة الا ان يعطي الله عبداً فهما في كتابه) يريد الامام (ع) ان يقول، بأن هذه الافكار الكبيرة التي ينطق بها، نابعة في واقعها من فهمه للمضامين القرآنية السامية.
وقد ذكرت، ان النظام الحاكم في الوجود، يدل على الانسجام والترابط بين الموجودات، بحيث يجعل من اجزاء العالم كلاً واحداً، ولكن يمكن ان يوجد ترابط ووحدة وانسجام بين اجزاء كل مجموعة ويمكن ان لايتوافر ذلك، ونوضح هذه الفكرة بالمثال التالي:
قطيع الغنم يؤلف مجموعة لايوجد أي ترابط وانسجام بين اجزائها، فكل واحد من الغنم يتخذ لنفسه طريقاً مستقلاً، يسير فيه، ويأكل لوحده وينام وحده، ويشكل لنفسه بنية معينة، ووحدة خاصة، ولكن الانسجام والترابط بين القطيع يمكن ملاحظته بحركته الموحدة بأمر من الراعي وتوجيهه.
وكل واحد من هذه الشياه، يتكون بدنه من ملايين بل والوف الملايين من الخلايا الحية، ومجموعة من هذه الخلايا تؤلف جلده، ومجموعة اخرى تشكل بناء عضلاته ومجموعة اخرى تشكل بناء قلبه، واخرى لعينه، وهكذا، فكما ان كل مجموعة منها تمارس فعاليات ونشاطات مختلفة وعديدة، ولكل منها في حد ذاتها مهمة خاصة، وهدف معين وكل منها تجهل الاخرى، فخلية الدم جاهلة بوجود خلية الاذن، وخلية الاذن لاتعلم بوجود خلية الاعصاب، فكل خلية لاتعلم بأنها مسخرة ومستخدمة لمجموعة موحدة، وهي الشاة، كما ان لذلك الكائن الحي (الشاة) في نفسه روحاً وحياة، وهدفاً، اشمل واسمى، فالهدف الذي تنشده كل مجموعة من هذه الخلايا، ضمني، ومقدمي، ووسيلة لذلك الهدف الاشمل والاسمى للحيوان ككل.

مقالات مشابه

معناشناسی مفهوم حبط در قرآن کریم

نام نشریهمطالعات قرآن و حدیث

نام نویسندهمهدی مطیع, سوده اسعدی

احباط و تكفير

نام نشریهدانشنامه کلام اسلامی

نام نویسندهاحمد شجاعی

حبط اعمال و منشأ آن از دیدگاه قرآن

نام نشریهدرس‌هایی از مکتب اسلام

نام نویسندهحسین حقانی زنجانی

احباط و تكفير

نام نشریهدائرة المعارف قرآن

نام نویسندهسیدمصطفی اسدی

احباط و تکفير

نام نشریهکلام اسلامی

نام نویسندهاحمد شجاعی

عيار نبوّت

نام نشریهپژوهش‌های قرآنی

نام نویسندهسیدموسی صدر